أم جبريل حربا داعيةٌ معطاءة إفتقدناها...حياتها هادئة بعيدة عن الأضواء ثم أكرمها الله بالشهادة هكذا هم المخلصون، لا يعلو ذكرهم ولا تتضوع سيرتهم إلا بعد موتهم، فنبدأ حينها نستلهم من حياتهم دروساً وعِبراً تنير الطريق للسالكين.. ومن هؤلاء أم جبريل، التي أصيبت بإنفجار يوم الجمعة الذي حدث في مسجد السلام بطرابلس حيث كانت تصلي.. وهي صائمة.. وتوفيت بعدها بيومين متأثِرة بجراحها.. كلمات خرجت من قلوب من عرفوها.. فأحبوها.. فرثوها.. تعرّفنا بأم جبريل... رحمها الله تعالى.. ما زلت أتذكّره وكأنه البارحة.. على الرغم من مُضيّ أكثر من عشر سنوات على ذاك اللقاء...هادئة.. رزينة.. مبتسِمة.. تألف وتؤلَف.. واثقة من نفسها.. بإختصار.. لم تكن تلك المرأة العادية.. وإنما كان لشخصيتها مذاق رائع.. يجعلك تتمنّى لو تقترب منها أكثر! وكنت كلما ألتقيها في مسجد السلام عند الصلوات.. في التراويح أو بعد صلاة العيد.. تكبر محبتها في قلبي، إذ هي ربانية كما عهدتها.. وسمعت! وكبُر البراق.. وذاع صيته.. فكان خليّة للنحل دعوةً وقرآناً وصدقةً إضافة إلى مشغل أعمال يدوية وخياطة يعود ريعه لمراكز البُراق التي تعددت بفضل الله تعالى.. وكانت أم جبريل الجندي المجهول الذي يعمل بالخفاء محترفاً الإخلاص.. نحسبها كذلك ولا نزكّيها على الله تعالى! من لحظة معرفتي بإصابتها وحتى وفاتها فجر الاثنين ولساني يلهج بالدعاء أن يشفيها ربي جل وعلا.. ولكن حالتها كانت تسوء يوماً بعد يوم.. وإشاعات وفاتها تتسرّب كل وقت.. حتى لم يعد في الأمر شك! ولعل الله جل وعلا من رحمته وحكمته هيّأ لقلوب مَن أحبّها الخبر حتى لا يكون موتها كالصاعقة.. عشتُ أياماً عصيبة.. أرى صورتها في كل زاوية من زوايا البيت.. وأتفكّر: كيف للموت أن يقتلع مَن هم مثلها؟! في سنّها؟ ووهج عطائها؟! كنت أفكّر في أولادها الخمسة وزوجها.. أهلها.. أخواتها في الله.. مُحِبّاتها.. بُراقها! وكنتُ متأكدة أننا نبكي أنفسنا نحن لا هي! فهي وَفَدتْ روحها على الكريم.. فرِحة بما آتاها الله من فَضْله.. تحتسب أجر ما قدّمت في حياتها لله سبحانه! أما نحن.. فما زلنا نرتع في هذه الدنيا الغريبة.. نصيب ونخطئ.. ولا ندري بمَ سيُختَم لنا؟! سامحيني أم جبريل.. إذ لم أنصفك حيّة.. ولم أخبرك أنني أحبّكِ في الله.. وأنّ قلبي كان يفرح حين أراك.. والآن -وأنتِ ما زلتِ حيّة- ما زال يفرح لأنك نلتِ الشهادة بإذن الله.. وخُتِم لك بالصالحات.. وأملي أن يخفّف المُصاب عن أهلك.. وأن يجمعنا جميعاً في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدِر.. فهو الأكرم.. دعَتْ إلى اللهِ وأخلصتْ...
الكاتب: سحر المصري.
المصدر: موقع منبر الداعيات.